فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
طوَى القرآن هنا ذكر التّوبة على آدم: لأنّ المقصود من القصّة في هذه السّورة التّذكير بعداوة الشّيطان وتحذير النّاس من اتّباع وسوسته، وإظهار ما يُعقبه اتّباعه من الخسران والفساد، ومقام هذه الموعظة يقتضي الإعراض عن ذكر التّوبة للاقتصار على أسباب الخسارة، وقد ذكرت التّوبة في آية البقرة المقصودِ منها بيان فضل آدم وكرامته عند ربّه، ولكلّ مقامً مَقال.
والخطابُ لآدم وزوجه وإبليسَ.
والأمر تكويني، وبه صار آدم وزوجه وإبليسُ من سكّان الأرض.
وجملة: {بعضكم لبعض عدو} في موضع الحال من ضمير: {اهبطوا} المرفوععِ بالأمر التّكويني فهذه الحال أيضًا تفيد معنى تكوينيًا وهو مقارنة العداوة بينهم لوجودهما في الأرض، وهذا التّكوين تأكّدت به العداوة الجبلية السّابقة فرسخت وزادت، والمراد بالبعض البعض المخالف في الجنس، فأحد البعضين هو آدم وزوجه، والبعض الآخر هو إبليس، وإذ قد كانت هذه العداوة تكوينيّة بين أصلي الجنسين، كانت موروثة في نسليهما، والمقصود تذكير بني آدم بعداوة الشّيطان لهم ولأصلهم ليتّهموا كلّ وسوسة تأتيهم من قِبله، وقد نشأت هذه العداوة عن حَسد إبليس، ثمّ سَرت وتشجرت فصارت عداوة تامة في سائر نواحي الوجود، فهي منبثّة في التّفكير والجسد، ومقتضية تمام التّنافر بين النّوعين.
وإذ قد كانت نفوس الشّياطين داعية إلى الشرّ بالجبلة تعين أن عقل الإنسان منصرف بجبلته إلى الخير، ولكنّه معرّض لوسوسة الشّياطين فيقع في شذوذ عن أصل فطرته، وفي هذا ما يكون مفتاحًا لمعنى كون النّاس يولدون على الفطرة، وكون الإسلام دين الفطرة، وكون الأصل في النّاس الخير.
أمَّا كون الأصل في النّاس العدالة أو الجرح فذلك منظور فيه إلى خشية الوقوع في الشّذوذ، من حيث لا يدري الحاكم ولا الراوي، لأنّ أحوال الوقوع في ذلك الشّذوذ مبهمة فوجب التّبصّر في جميع الأحوال.
وعطفت جملة: {ولكم في الأرض مستقر} على جملة: {بعضكم لبعض عدو}.
والمستقرّ مصدر ميمي والاستقرار هو المكث وقد تقدّم القول فيه عند قوله تعالى: {لكل نبإ مستقر} [الأنعام: 67] وقوله: {فمستقر ومستودع} في سورة الأنعام (98).
والمراد به الوجود أي وجود نوع الإنسان وبخصائصه وليس المراد به الدفن كما فسر به بعض المفسرين لأنّ قوله ومتاع يُصد عن ذلك ولأنّ الشّياطين والجنّ لا يُدفنون في الأرض.
والمتاع والتّمتّع: نيل الملذّات والمرغوبات غير الدّائمة، ويطلق المتاع على ما يُتمتّع به وينتفع به من الأشياء، وتقدّم في قوله تعالى: {لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} في سورة النّساء (102).
والحِين المدّة من الزّمن، طويلة أو قصيرة، وقد نكر هنا ولم يحدّد لاختلاف مقداره باختلاف الأجناس والأفراد، والمراد به زمن الحياة التي تخول صاحبها إدراك اللّذّات، وفيه يحصل بقاء الذّات غير متفرّقة ولا متلاشية ولا معدومة، وهذا الزّمن المقارن لحالة الحياة والإدراك هو المسمّى بالأجل، أي المدّة التي يبلغ إليها الحيّ بحياته في علم الله تعالى وتكوينِه، فإذا انتهى الأجل وانعدمت الحياة انقطع المستقَر والمتاع، وهذا إعلام من الله بما قدّره للنّوعين، وليس فيه امتنان ولا تنكيل بهم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
ونلتفت لنجد أن هناك أمرًا قد يسبق لإِبليس بالهبوط، وهنا أمر آخر بالهبوط، وبالله لو كانت جنة الخلود هي محل إقامتهما، وآدم مخلوق لها ثم عصى ثم تاب لما خرجا منها أبدًا. لكنه سبحانه أمر آدم بأن يهبط إلى الأرض التي جعله خليفة فيها، ليباشر مهمة الخلافة في إطار التجربة التي وقعت له، وعليه أن يحترم أمر الله في كل تكليف، وأن يحترم نهي الله في كل تكليف، وليحذر عداوة الشيطان فإنه سيوسوس له. وقد جرب ذلك بنفسه، فلينزل مزودًا بالتجربة، وليس له عذر من بعد ذلك. {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.
والأمر هنا للجماعة؛ ولم يقل لهما اهبطا. وفي آية ثانية قال: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا...} [طه: 123]
وذلك لنعرف أن ورود القصة في أماكن متعددة جاء لتعطي لقطات كثيرة. والأمر هنا جاء بقوله: {اهبطوا} لأن الهبوط اشترك فيه الثلاثة؛ آدم وحواء، وإبليس.. والعداوة مسبقة ولا ندعيها. العداوة بين طرفين: اثنان في طرف هما آدم وحواء، وواحد في طرف هو إبليس. ويريد الحق لنا بيان الحقائق وأن المتكلم إله، إنّ كل حرف عنده بميزان؛ ولذلك نجده سبحانه يقول لنا: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن...} [النساء: 82]
أي إياك أن تأخذ واجهة النص، ولكن ابحث في خلفيات النص، ولا تأخذ واجهة اللفظ، بل انظر إلى ما وراء الألفاظ. {قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأعراف: 24]
وكلمة {عدو} تعني وجود صراع، ومعارك سوف تقوم بين أولاد آدم بعضهم مع بعض، أو تقع العداوة بينهم وبين أعدائهم من سكان الأرض من جن وغيرهم، لكنها لمدة محدودة، ولذلك قال: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} أي أن لكم استقرارًا في الأرض ومتاعًا إلى حين. وصراع صاحب الحق في الحق يجب أن يأخذه على أنه متاع في الدنيا ولا يأخذه على أنه معركة بلا جزاء، لا، فأنت تجاهد وتأخذ جزاء كبيرًا على الجهاد وهذا متاع. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
{وقاسمهما} قال: حلف لهما {إني لكما لمن الناصحين}.
وأخرج بن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أو تكونا من الخالدين} يقول: لا تموتون أبدًا. وفي قوله: {وقاسمهما} قال: حلف لهما بالله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} قال: حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله. قال لهما: إني خلقت قبلكما وأعلم منكما فاتبعاني أرشدكما قال قتادة: وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: في بعض القراءة {وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله: {فدلاهما بغرور} قال: مناهما بغرور.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما} وكانا قبل ذلك لا يريانها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال: لباس كل دابة منها ولباس الإِنسان الظفر، فأدركت آدم التوبة عند ظفره.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: كان لباس آدم وحواء كالظفر، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوءاتهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالًا من الظفر، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقي في أطراف أصابعه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان لباس آدم الظفر بمنزلة الريش على الطير، فلما عصى سقط عنه لباسه وتركت الأظفار زينة ومنافع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: كان لباس آدم في الجنة الياقوت فلما عصى تقلص فصار الظفر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان آدم طوله ستون ذراعًا، فكساه الله هذا الجلد وأعانه بالظفر يحتك به.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وطفقا يخصفان} قال: يرقعان كهيئة الثوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وطفقا يخصفان عليهما} قال: أقبلا يغطيان عليهما.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: يوصلان عليهما من ورق الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: يأخذان ما يواريان به عورتهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} قال: آدم: رب انه حلف لي بك، ولم أكن أظن أن أحدًا من خلقك يحلف بك إلا صادقًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قالا} قال: آدم وحواء {رَبنا ظلمنا أنفسنا} يعني ذنبًا أذنبناه فغفره لهما.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا...} الآية. قال: هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك. مثله.
وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن قتادة قال: إن المؤمن ليستحي ربه من الذنب إذا وقع به، ثم يعلم بحمد الله أين المخرج يعلم أن المخرج في الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل، فلا يحتشمن رجل من التوبة، فإنه لولا التوبة لم يخلص أحد من عباد الله، وبالتوبة أدرك الله أباكم الرئيس في الخير من الذنب حين وقع به.
وأخرج أبو الشيخ عن كريب قال: دعاني ابن عباس فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله إلى فلان حبر تيما حدثني عن قوله: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} فقال: هو مستقره فوق الأرض، ومستقره في الرحم، ومستقره تحت الأرض، ومستقره حيث يصير إلى الجنة أو النار. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.
أهْبَطَهم، ولكنه أهبط إبليسَ عن رتبته فوقع في اللعنة، وأهبط آدم عن بقعته فتداركتْه الرحمة.
ويقال لم يُخْرَج آدم عليه السلام من رتبة الفضيلة وإنْ أُخرِجَ عن دار الكرامة، فلذلك قال الله تعالى: {ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122] وأما إبليس- لعنةُ الله عليه- فإنه أُخْرِجَ من الحالة والرتبة؛ فلم ينتعش قط عن تلك السَّقْطة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكُمْ في الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
{وَلَكُمْ في الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} هذا عامٌّ {ومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}: أراد به إبليسَ على الخصوص. اهـ.